الحمامات الشعبية هي عالم مليء بالأساطير والحكايات. حيث كان يرتادها الناس فيما مضى سعياً للنظافة الجماعية في إطار طقوس خاصة. لكن ما جرى داخل هذه الحمامات على مدى قرون طويلة دعم هذا الخيال وجعل الأساطير قريبة من الواقع أحياناً. ورغم أن هذه الحمامات كانت تعمل حتى وقت قريب إلا أنها تشكو الآن من الانقراض، في السطور التالية نستعرض تاريخ الحمامات الشعبية ونتعرف على أشهر الحمامات الشعبية في مصر.
تاريخ الحمامات الشعبية
يعو تاريخ الحمامات الشعبية في مصر إلى الدولة الفاطمية. حيث وصل عدد الحمامات في القاهرة الفاطمية إلى 365 حماماً، تسعة منها تعمل حتى الآن. وكان سلاطين الدولة الفاطمية قد أنشئوا حمامات بعدد أيام السنة. حيث كان مقرراً ان يستحم السلطان كل يوم في حمام. وهناك بعض الحمامات التي كان السلطان يطلق عليها أيام الأسبوع مثل حمام السبت والأحد والاثنين والثلاثاء.
الحمامات الشعبية من الداخل
كل حمام من الحمامات الشعبية في مصر له نظامه الخاص، فبمجرد وصول الزبون رجلاً كان أو امرأة يدخل من باب الحمام إلى “المسلخ” وهو مكان الجلوس للراحة من الطريق، وشرب الشاي والتدخين. وفي نفس القاعة الأولى توجد غرف تغيير الملابس والتي تسمى ب “غرف الخلع” بها عدة دواليب وأسرة، ويقوم الزبون بتغيير ملابسه وربط الفوطة أو البشكير على منطقة الخصر، ويسلم أماناته. ثم يدخل إلى “غرفة الحرارة” التي تنقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول: المغطس، والثاني: صحن الفسقية، والثالث: الخلاوي وهي جمع خلوة وهو “الدش”. ويجلس كل فرد حسب قدرة تحمله في المغطس ليأخذ البخار اللازم له. وبعد ذلك ينزل إلى الفسقية للتكبيس. ثم يدخل إلى الخلوة ليستحم بالماء الساخن والصابون.
وبخار المغطس يعالج العديد من الأمراض منها اللومباجو – ألم أسفل الظهر – وعرق النسا، ونزلات البرد الشديد، والتخسيس خاصة منطقة البطن. وبالنسبة للمغطس يحظر على الفتيات نزوله لأن درجة حرارة المياه تتراوح بين 60 – 85 درجة مئوية في البداية.
كانت هذه الحمامات تعمل عن طريق مستوقدات الخشب والحطب التي تمر عبر الجدران من خلال مواسير من الفخار من أجل تسخين المياه. ثم انتقلت معظم الحمامات بعد ذلك للعمل بالمازوت، لكن بعد اشتعال الكثير من الحرائق عادت تلك الحمامات لتعمل بنشارة الخشب.
أشهر الحمامات الشعبية في مصر
تعد الحمامات الشعبية في مصر الموجودة في شارع المعز لدين الله في الغورية هي الأشهر، ومنها:
حمام السكرية
يقع حمام السكرية أمام جامع المؤيد، وتم إغلاقه بعد موت أصحابه. وهو مسجل كأثر في المجلس الأعلى للاثار، وبالتحديد في قطاع الآثار الإسلامية والقبطية تحت رقم 596.
حمام السلطان إينال
لا زال يعمل هذا الحمام حتى الآن، لكن تاريخه كان حافلاً. فقط عمل لفترة حريمي ثم أغلقه أصحابه لأن إيراداته لم تكن كافية لتغطية مصاريفه، ومساحته 700 متراً. عرضه الورثة للبيع إلا أن العديد من المشترين كانوا يخشون شرائه نظراً لأن هذه المنطقة تعد منطقة آثار. وهو مسجل كأثر باسم حمام سلطان أينال 861 ه – 1456 ميلادية تحت رقم 562.
حمام قلاوون
على بعد مسافة مترية من حمام سلطان يوجد حمام النحاسين أو حمام قلاوون، والذي بني في القرن الثامن الهجري، السابع عشر الميلادي، والمسجل كأثر وهو لا يزال مفتوحاً بعد أن تم ترميمه وتنظيفه باعتباره أحد المعالم الأثرية.
أحد الحمامات العامة، في شارع "المعز"، ويعد من معالم القاهرة التاريخية المهمة.
2 ـ يقع في مدخل بيمارستان قلاوون، وجرى إنشاؤه في العصر الفاطمي، وكان يعرف بحمام الساباط، وضمه المنصور قلاوون إلى منشآته عندما شرع في بناء البيمارستان وصار من أوقاف المجموعة.
3ـ استمر العمل في الحمام لفترة قريبة، قبل أن يهمل ويغلق وتتراكم به مخلفات المنطقة المحيطة.
4ـ يضم طابقين "أرضي وعلوي".
وتتواصل وزارة الآثار مع الجهات الخدمية والثقافية والسياحية والتربوية ومؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في مبادرة "نحن هنا" في إطار حرصها على تفعيل دور المجتمع المدني في المشاركة الفعّالة من أجل تطوير وتنمية وخدمة المناطق الأثرية المختلفة
حمام المرجوشي
يقع هذا الحمام في شارع أمير الجيوشي بالجمالية، وحصل على شهرته الكبيرة نتيجة تصوير العديد من الأفلام السينمائية فيه، ولعل أشهرها فيلم “حمام الملاطيلي” وهو الاسم الذي أطلق عليه فيما بعد. كما مثل فيه الفنان الراحل محمود عبدالعزيز العديد من المشاهد في فيلمه “سوق المتعة”.
تسعة حمامات شعبية في مصر فقط هن التي تعمل حتى اليوم منها “الطمبلي” في باب الشعرية و”باب البحر” في الشارع الذي يحمل نفس الاسم، وحمام “البارودية” في باب الخلق، وهناك حمامات في بولاق الجديدة وحمام الجمالية والحسينية والنحاسين والمرجوشي. والباقي أغلق إما لخلافات بين الأخوة أو الورثة أو لوفاة أصحابها مثل حمام الدود في شارع محمد علي، وحمام بشتك في سوق السلاح بالدرب الأحمر وكان من اشهر الحمامات في مصر نظراً للزخارف التي كانت به.
تسجيل الحمامات الشعبية في مصر كأثر
يشير الدكتور أسامة طلعت رئيس قطاع الآثار القبطية والإسلامية واليهودية أن الحمامات الشعبية في مصر كلها ملكية خاصة. لكنها تعتبر آثاراً إسلامية، وتسجل طبقا للمادتين 12 و 13 كأثر. والأثر الإسلامي لابد أن يمر بأربعة مراحل لتسجيله. وهي الحصول على موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية على التسجيل، وموافقة مجلس إدارة هيئة الآثار، وصدور قرار من وزير الثقافة، وإذا كان قد مر على الأثر مائة عام يصدر القرار من رئيس الوزراء. وبعد صدور القرار ينشر في الجريدة الرسمية ويسجل الأثر طبقا للمادة 117 لسنة 1983 الخاصة بحماية الآثار.
تصليح سخانات مركزية
يبدو أن الصورة القاسية التي سجلتها السينما المصرية بأفلامها المتعددة عن الحمامات الشعبية في مصر كانت ولا تزال انعكاساً لمفهوم سكن تحت جلد عدد غير قليل من أولئك الذين لم يرتادوا هذه الحمامات. واكتفوا بتصديق الحكاوي المبالغ فيها غالباً. وأياً ما كانت قسوة المفهوم، فإن الحمامات التي انتشرت في مصر الفاطمية بعدد أيام السنة لم يعد منها الآن غير أطلال وذكريات معظمها حزين، وأقلها سجلته الآثار ضمن قوائمها.
لحمامات العامة في العصر الحديث
الإمبراطورية الرومانية
تم إدخال الحمامات العامة على الطراز الروماني على نطاق محدود من خلال عودة الصليبيين في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، الذين استمتعوا بالحمامات الدافئة في الشرق الأوسط. غير أن هذه البيوت سرعان ما تحولت إلى بيوت للدعارة أو على الأقل إلى سمعة في حد ذاتها، وأُغلقت في أوقات مختلفة.
وكان الاستثناء الملحوظ لهذا الاتجاه في فنلندا والدول الاسكندنافية، حيث ظلت الساونا ظاهرة شعبية، حتى أنها توسعت خلال فترة الإصلاح، عندما كانت الحمامات الأوروبية يتم تدميرها. تبقى الساونا الفنلندية جزءًا لا يتجزأ وقديمًا من طريقة الحياة هناك. وهي موجودة على شاطئ البحيرة، وفي الشقق الخاصة، ومقر الشركات، وفي مبنى البرلمان، وحتى على عمق 400 1 متر (600 4 قدم) في منجم بيهاسالمي.
بدأ بناء الحمامات العامة في الولايات المتحدة في تسعينيات القرن التاسع عشر. وتشمل الإنشاءات البارزة في فترة Bathhouse Row في أركنساس، وAsser Levy Public Baths في مدينة نيويورك. تم إنشاء حمامات عامة لتحسين الحالة الصحية والصحية للجمهور قبل أن أصبحت الحمامات الشخصية شائعة
تركيا: الحمامات الساخنة
تم تقديم الحمامات التركية التقليدية (وهو البديل من الحمام الروماني) إلى بريطانيا من قبل ديفيد أوركهارت، الدبلوماسي وعضو البرلمان في وقت ما عن ستافورد، الذي كان يرغب لأسباب سياسية وشخصية في تعميم الثقافة التركية، وفي عام 1850 كتب أعمدة هرقل، وهو كتاب عن رحلاته في عام 1848 عبر إسبانيا والمغرب. ووصف نظام حمامات الهواء الساخن الجافة المستخدمة هناك وفي الإمبراطورية العثمانية التي لم تتغير إلا قليلا منذ العصر الروماني. في عام 1856 قرأ ريتشارد بارتر كتاب أوركهارت وعمل معه لبناء حمام. افتتحوا أول حمام حديث للمياه الساخنة في St Ann's Hydropathic Establishment من بلارني، مقاطعة كورك، أيرلندا. تم استخدام الحمامات الأصلية للغسيل الفردي والسباحة للرجال فقط. لم يسمح للعائلات بالدخول إلى هذه الحمامات حتى عام 1914
في العام التالي، تم بناء أول حمام عام من نوعه في البر الرئيسي لبريطانيا منذ افتتاح العصر الروماني في مانشستر، وانتشرت الفكرة بسرعة. وصلت إلى لندن في يوليو 1860، عندما فتح روجر إيفانز، عضو إحدى لجان الشؤون الخارجية في أوركهارت، حمامًا تركيًا في شارع 5 Bell، بالقرب من ماربل آرتش. خلال السنوات ال 150 التالية، تم افتتاح أكثر من 600 حمام تركي في بريطانيا، بما في ذلك تلك التي بنتها السلطات البلدية كجزء من مجمعات حمامات السباحة، مستفيدة من حقيقة أن المراجل التي تعمل بتسخين المياه كانت موجودة بالفعل في الموقع.
فتحت حمامات مماثلة في أجزاء أخرى من الإمبراطورية البريطانية. افتتح الدكتور جون لو غاي بريتون حمامتركي في سيدني، أستراليا في عام 1859، وفي كندا حمام واحد بحلول عام 1869، وافتتح الأول في نيوزيلندا في عام 1874. كما شعر تأثير أوركهارت خارج الإمبراطورية عندما افتتح الدكتور تشارلز شيبرد في عام 1861 أول حمامات تركية في الولايات المتحدة في 63 شارع كولومبيا، بروكلين هايتس، نيويورك، على الأرجح في 3 أكتوبر 1863